إلى زميلي رائد الأعمال

دعني أبدأ بصراحةٍ قد تكون قاسيةً و بعيدةً عن كل الأحاديث التي نسمعها يوميًّا والتي تدعو للإيجابية. لنُسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية حتى نستطيع التخطيط للمستقبل بشكل أفضل. لا بأس بالتفاؤل والإيجابية، ولكن في الأوقات الحرجة يتوّجب علينا التعامل بالجدية والواقعية والتخطيط المبني على أسوأ الاحتمالات لكي ننجو بأقل الخسائر أو حتى بمكاسب.

أنا اليوم أكتب هذه المقالة وأنا مازلت في حالة قريبة للنكران لما يحدث.

هذه المرة الأولى التي أكتب بها مقالة أتمنى أن لا تكون لها فائدة عما قريب بل وأتمنى أن يحدث الله أمراً قبل انتهائي منها ليجعلها مجرد ”مسودة“.

و لكن انا أريد و انت تريد و الله يفعل ما يريد او كما قال المتنبي:

ما كل ما يتمناهُ المرء يدركهُ             تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

 ­

 ­المقالة هذه هي رسالة مني لزملائي رواد الأعمال سواء المخضرمين أو الجدد في هذا العالم. هي مجرد رسالة وليست نصائح أو إرشادات فلا أنا ولا أنت ولا أي شخص آخر قد مر بهذه الظروف من قبل. مجرد رسالة أو ”فضفضة“ قد تكون مسلية أو مفيدة  بشكل أو بآخر.

­

زميلي رائد الأعمال،

منذ أن خطرت فكرة مشروعك في بالك إلى قبل هذه الأزمة وأنت يومياً في حرب مختلفة (إذا لم تكن أكثر من حرب في  الوقت نفسه). حرب العثور على الفريق المناسب، حرب التدفق المالي، حرب إرضاء عميل، حرب الحصول على استثمار مناسب، حرب تطوير منتج يلائم تطلعاتك، حرب إقناع مجلس الإدارة، حرب التكييف مع القرارات الحكومية المفاجأة… والمئات من الحروب الأخرى.

أنت (وأنا) مرهقان من هذه الحروب والصراعات اليومية… ما نحتاجه هو فترة راحة. فترة استجمام. نحتاج إلى بعض الهدوء والسكينة والطمأنينة للمستقبل.

ولكن بدلاً من ذلك، فجأة وبدون أي إنذار، دخلنا في ”أم الحروب“ و هي حرب أزمة كورونا. حرب مدتها الزمنية مجهولة والعدو فيها يطيح بحلفائك ومورديك وعملائك واحداً تلو الآخر بدون رحمة. الجسور من حولك تحترق، لا مجال للفرار حتى. أنت الآن في ترقب وقلق … ماذا سيكون مصيري؟ كيف ستُكتب قصتي؟

وسط هذه الحرب الضروس  والتي تستطيع لوحدها إنهاك العمالقة (فما بالك أنا و أنت)، تبدأ حرب أخرى في الوقت نفسه وهي أزمة أسعار النفط والتي تطيح بجزء آخر من عملائك ومورديك، وتربك موقفك وتجعل المستقبل أكثر ضبابية من أي وقت مضى.

­

ما الذي يحدث؟

الاقتصاد العالمي يختنق بشدة بسبب أزمة كورونا. انخفاض مرعب سريع جدا للاقتصاد العالمي وتهاوي أسواق الأسهم العالمية بنسب 20٪ إلى 30٪ منذ اندلاع الأزمة. انخفاض مبيعات الكثير من القطاعات مثل الطيران والسياحة إلى نسب تصل 70٪ وتوقف العديد من المتاجر عن العمل. إعلان صندوق النقد الدولي اليوم بدخول العالم في ركود اقتصادي وتوقع امتداده إلى سنة 2021 ويتوقع العديد التوجه إلى كساد اقتصادي عالمي والذي يعني كارثة اقتصادية عالمية لم تحدث في أمريكا (على سبيل المثال) إلا مرة واحدة في تاريخها فقط. من المتوقع بدء موجة قوية من الإفلاس للشركات وتسريح الموظفين على المستوى العالمي.

باختصار، نحن نسير باتجاه كارثة اقتصادية عالمية لم يسبق أن تم التعامل معها من قبل وتمس جميع دول العالم بشكل سريع و شرس

ما العمل؟

أنا لا أعرف ”ما العمل“ ولا أتجرأ حتى أن أتوقع نتائج دمار هذه الحرب، ولكن أعرف أمراً واحداً جيداً وهو السبب الذي جعلني أنا وأنت ننتصر في الحروب اليومية التي خضناها قبل أزمة كورونا. 

الشعلة التي بالداخل: نعم، كلنا نملك هذه الشعلة بداخلنا التي تشتعل يوميا لتعطينا الطاقة اللازمة للإنتصار في الحروب.  هذه الشعلة التي حولت مشاريعنا منمجرد فكرةالى مشروع على أرض الواقع يحل مشكلة حقيقية و يدخل الملايين و بسببه فتحنا البيوت و ألهمنا العديد من الشباب. هذه الشعلة التي لا يمتلكها الا الأقلية من الاشخاص في العالم و التي ربي اختارني و اياك ليهبها لنا. الشعلة التي جعلتنا مضرب مثل في عدم اليأس و قوة الإرادة و الطموح.

الشعلة التي جعلت مؤسسي الشركات التالية يتخطو أزمة ٢٠٠٨ المالية الشهيرة (أوبر – Airbnb – نتفليكسدروبوكس – Spotify – هووتسويت – EvernNote – Zynga )

و التي جعلت مؤسسي شركات مثل قووقل و أبل و مايكروسوفت و فيسبوك يتخطو الأزمات المالية المختلفة اللي ظهرت في بداياتهم.

هي نفس الشعلة التي يقصدها الشاعر ردا على أبيات المتنبي بالأعلى :

تجري الرياح كما تجري سفينتنا      نحن الرياح ونحن البحر والسـفـن

إن الذي يرتجي شيئاً بهمتــــــه       يلقاه لو حاربتــــــه الإنس والجــن

فاقصد إلى قمــم الأشياء تدركها      تجري الرياح كما رادت لها السفن

­

النصف الممتلىء للكوب

اذا نحن امام حربين شرسة و يبدو أن الشعلة التي بداخلنا هي سلاحنا الأقوى في هذي الحروب و لكن هنالك بعض الامور الإيجابية التي من الممكن الاستفادة منها في هذي الأوقات:

  • من رحم الأزمات.. تولد الفرص: ما يميزنا كـ شركات ناشئة عن الشركات الكبيرة و المتوسطة هو شيئين أساسيين: ١)الرشاقة ٢)الإبتكار. بفضل هذي الصفات التي نتميز بها و نجيدها بشكل كبير نستطيع قنص الفرص و العمل على تقديم حلول لها بشكل سريع. قد يكون هذا حل مؤقت للنجاة من الأزمة لحين تعود الأمور لطبيعتها و قد يكون هذا الحل هو المنعطف الحاسم الذي يفتح لك ابواب النجاح و النمو حتى بعد الازمة
  • كسب الثقة: كـ قائد للسفينة فأهم عامل يضمن لك رحلة  ناجحة هو ثقة الركاب و الطاقم الذي معك. هذه فرصتنا للإثبات بشكل قاطع للجميع أننا أفضل من يقود هذه السفينة الى بر الأمان سواء كانت هنالك شكوك او لا. أبحارك للسفينة خارج هذه الأزمة سيرفع من  أسمهك بشكل كبير لدى موظفيك، شركائك، اعضاء مجلس الأدارة ، المستثمرين و الاهم منهم كلهم و هو أمام نفسك انت.
  • سقوط الأقنعة: في وسط الأزمات يظهر معدن الجميع و هذه فرصتنا لنرى الناس من حولنا على حقيقتهم. من هم مستثمرين المال فقط و من هم المؤمن بك و بما تفعل؟ مَن مِن الموظفين يعمل بشغف و ايمان بالشركة و من يعمل للمال فقط؟ مَن مِن اعضاء مجلس الإدارة يقدم يد المساعدة فورا و من يتردد أو يختفي؟ من هم المستثمرين الجريئين و من هم راكبي الامواج؟
    يهمنا جدا معرفة هذه الأجوبة  اليوم و ذلك لأن الطريق لا زال طويل و سنمر بأزمات أخرى غالبا (اقل وطأة يا رب) و نحتاج فقط من هم المؤمنون بنا لنتخطاها بسهولة
  • جزء من التاريخ: أنا و الكثير غيري استشهد بالشركات التي نجت من الأزمات المالية السابقة  (مثل استشهادي بهم بالأعلى) و كلنا نضرب بهم الأمثلة و نستلهم من قصصهم لهذا العمل العظيم. الآن هي فرصتنا لننضم لهم في هذي القائمة. فرصتنا لنحفر اسمنا في التاريخ.  لنتحدث أمام اولادنا في المستقبل عن هذي الحقبة الزمنية و التحديات التي واجهتها جميع الشركات في العالم و كيف أننا قدرنا (بفضل الله) ليس على مجرد تخطيها بل استغلالها للإزدهار و النمو

­

الخاتمة

زميلي رائد الأعمال، أدرك تماما أن الطريق الآن مظلم جدا و أنك منهك من خوض هذي المعارك التي لا تنتهي و لكن لا تيأس يا صاحبي و لا تكتئب و لا تدع الشك في قدراتك للخروج من هذي الأزمة يدخل قلبك و لو لـ لحظة. أنت تمر بنفس الظروف التي أمر بها انا و غيرنا من رواد الأعمال في المنطقة بل و في العالم. أنت استطعت الخروج من العديد من المآزق سابقا  و ستستطيع بحول الله الخروج من هذا المأزق و دائم تذكر أن التوفيق و النجاح هو بيد الله فقط فـ إدعي الله دائم و ابدا و اعمل بذكاء و اجتهاد و بإذن الله سترجع لهذي المدونة بعد سنة و انت في مكان أفضل بكثير من الآن.

زميلك: عبدالله عسيري

­

إن الذي يرتجي شيئاً بهمتــــــه       يلقاه لو حاربتــــــه الإنس والجــن

فاقصد إلى قمــم الأشياء تدركها      تجري الرياح كما رادت لها السفن

­

*للأسف تم نشر المقالة

تعليق ؟